أراء

المستشار غلاب الحطاب يكتب.. كيف سرق الفلسطينيون الفانلة؟

المستشار غلاب الحطاب
المستشار غلاب الحطاب

تأتي الحرب الإسرائيلية مع حركة حماس التي تسيطر على قطاع غزة في ظروف مشحونة بالعواطف ، وعندما تثور العواطف فإنها تعمي الأبصار وتعمي القلوب التي في الصدور ، فعلى الجانب الغربي تقف إسرائيل وأوروبا والولايات المتحدة يظهرون للعالم بمظهر المعتدي عليه الذي يدافع عن نفسه ، وعلى الجانب العربي الإسلامي يقف الفلسطينيون ومعهم كل المسلمين والعرب يدفعون التهم بأن العدوان الإسرائيلي لم يتوقف ليوم واحد سواء في الضفة أو في القطاع وان ما فعلوه يوم السابع من أكتوبر الماضي ليس الا رد فعل ودفاع شرعي عن النفس حالة كون العدوان الإسرائيلي هو حرب مستمرة ، وأن الرهائن الذين اختطفوهم من محيط ما يسمي ب " غلاف غزة " انما هم وسيلة لتحرير الرهائن الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية ، فهناك أي في الغرب تلتهب العواطف ، وهنا في الشرق تلتهب العواطف وكما قلت فإن عين الرضا عن كل عيب كليلة : ولكن عين السخط تبدى المساويا
دعونا نخرج من هذه الحالة العاطفية دقائق معدودة ثم نعود اليها بعد ذلك ، بداية انا لست عسكريا ولم ادرس العسكرية ابدا وحتى لم التحق بالخدمة العسكرية ولا اعرف سوى العمل بالمحاماة منذ التحقت بكلية الحقوق عام ١٩٩٠ وشاغلي منذ التحقت بالعمل القانوني هو التحليل ، تحليل المقادير الرياضية الى مقادير اصغر منفصلة ، وتحليل القضايا الى عناصر اصغر لبيان وجه الحق في الدعوى ، وتحليل العقد النفسية الى أسبابها الأولى ، ثم ان لي ان احسن الظن أو اسئ الظن في كل عنصر صغير تم تحليله وهو ما يسمي بالركن المعنوى في القضايا الجنائية ، بتطبيق معايير التحليل الدقيق على ما حدث يوم السابع من أكتوبر الماضي فسوف نخلص الى نتيجة منطقية مؤداها ان ثمة خيانة حدثت في الجيش الإسرائيلي في ذلك اليوم ، وأن تلك الخيانة على مستويات عالية ربما تصل الى ابعد من الجنرالات ، وقبل ان تتفق معى او تختلف دعونا نتفق على بعض المسائل الأساسية :
1- فقد ظهر بعد الهجوم الفلسطيني أن ١٨٠٠٠ فلسطيني من قطاع غزة يعملون في إسرائيل وأن هؤلاء يمرون كل يوم عبر الحواجز والمعابر من والى إسرائيل ، وهذا يعني بالضرورة أن أسماء ثمانية عشرة الف عائلة فلسطينية في قطاع غزة معلومة لأصحاب الأعمال وكذلك محال اقامتهم وكافة المعلومات عنهم ، وهو ما نستنتج منه بالضرورة ان إسرائيل تعرف كل شخص في القطاع .
2- أن طول الشريط المسمي بغلاف غزة لا يزيد على ثلاثين كيلو متر محاط بسور مثبت عليه أجهزة تنصت وأجهزة استشعار ورادارات وكاميرات ونقاط حصينة ودوريات وابراج مراقبة هذا بالإضافة الى عدة أقمار صناعية للتجسس تمتلكها إسرائيل وجهاز مخابرات عالمي يزعم دائما ان الأول على مستوى الكرة الأرضية وعشرات الآلاف من العملاء وأجهزة استخبارات غربية ألمانية وفرنسية وانجليزية وايطالية الى آخر الأجهزة الإستخباراتية الأوربية كلها في خدمة جهاز المخابرات الإسرائيلي ، كل هذه الأجهزة والمعدات والأقمار والتكنولوجيا تراقب هذه الثلاثين كيلو متر لتعرف معلومتين صغيرتين هما متى وأين يعبر الفلسطينيون الجدار العازل ليدخلوا على الإسرائيليين ليقتلوهم ويختطفوهم .
3- قد يتذرع بعض المحللين بأن الأمر كان محض مفاجأة وأن الفلسطينيين مارسوا درجة عالية من الخداع الإستراتيجي باغت اليهود وافضى الى تلك الهزيمة ، وهذا قول مردود بالضرورة ، ذلك أن ما قام به الفلسطينيون يوم السابع من أكتوبر هو اسهل بكثير جدا من عملية اختطاف الجندي الإسرائيلي " جلعاد شاليط " عندما خرجت عناصر حماس من تحت الأرض ومن خلال نفق حفروه بين القطاع وبين الوحدات العسكرية الإسرائيلية خلف السور ليختطفوا شاليط ويدخلوا به النفق ثم يحملوه الى القطاع ويخفوا أثره بضع سنين ، ولو أن عملية طوفان الأقصى قد تمت قبل اختطاف شاليط لقبلنا بأنها كانت مفاجأة أما وهى تالية لذلك بل ولعشرات المواجهات العسكرية بين الاسرائليين والفلسطيننن منذ قبضت حماس على السلطة في غزة فإن فكرة المفاجأة لا يمكن قبولها على وجه الإطلاق
4- ان فكرة تحرك حاملات الطائرات الأمريكية والبريطانية والعروض السخية بالقتال جنبا الى جنب مع الإسرائيليين بحجة الخشية من تقدم عناصر إقليمية على استغلال الموقف وضرب إسرائيل كايران وحزب الله اثناء الهجوم البري المتوقع على غزة حجة واهية ذلك أن إسرائيل من قبل وكانت اقل عددا واضعف جندا قد واجهت جميع جيرانها من الشمال واشرق والجنوب بل وجيران جيرانها كالعراق والسودان عدة مرات ولم تطلب ابدا من احد المجئ بقواته ليساعدها فلماذا تفعل ذلك اليوم وهى في حالة تطبيع كامل مع كل جيرانها العرب وتحييد كامل للموقفين السوري والعراقي ؟
5- ان السيطرة على غلاف غزة لمنع تسلل ١٣٠٠ من مقاتلي حماس لم يكن يحتاج الا لدورية جوية تقوم بها بعض طائرات الأباتشي وخروج سريع لطائرة واحدة اف ١٦ من أي قاعدة في محيط خمسين كيلومترا من مكان التسلل لتوجه عدة قنابل على هؤلاء فترديهم جميعا قتلي ، وقبل ان يقتربوا من السور . " بلاش " اف ١٦ و " بلاش " أباتشي ، كان قتل هؤلاء الالف وخمسمائة يحتاج عشرة جنود من على الأبراج بأسلحتهم العادية او المدافع المثبتة على الأبراج ، لاحظ هنا أنني لم اتحدث عن أسلحة الرد التلقائي ولا الألغام ولا باتريوت ولا حتى أجهزة الإنذار التي تثبت في السيارات الصغيرة .
يمكنني هنا أن أعدد أسبابا لا تنتهى للقول بأن ثمة خيانة مؤكدة في صفوف الجيش الإسرائيلي أدت الى ما حدث يوم السابع من أكتوبر الماضي ، وقد تتسع النظرية للقول بأن ثمة رشوة كبيرة أدت الى ذلك وقد تضيق النظرية للقول بأن الجنود امتنعوا عن اطلاق النار وان الولايات المتحدة وقوات حلف الناتو جاءت الى محيط غزة لأن الإسرائيليين لا يريدون الحرب ولا يريدون ان يطلقوا النار وان ثمة شرخ ضخم في المجتمع الإسرائيلي يهدم فكرة الكيان من جذورها وان انكماش المشروع الصهيوني الذي تلى حرب أكتوبر ١٩٧٣ من ناحية حدود الدولة العبرية يصاحبه الآن انكماش للمشروع الصهيوني في أنفس الإسرائيليين انفسهم وانهيار معنوى يجعلهم ابعد ما يكونوا عن أفكار آباء الدولة هرتزل وبن جوريون وشيمون بيريز .
كنت أظن أن العبارة التي دأب فؤاد المهندس على ترديدها في مسرحية سيدتي الجميلة يشكو فيها الى حسن مصطفى سرقة " فانلته " القميص بست زراير ، وكرافته مربوطة ، وصديري ، وجاكتة مقفولة ومع ذلك اتسرقت الفانلة " كنت أظن هذه العبارة نكتة ولكن اتضح انها ممكنة و مقعنة وأن المليارات حول العالم سوف يظنون أنها مجرد خداع استراتيجي ، فعلى الإسرائيليين اذن ان يحمدوا الله كما حمده فؤاد المهندس عندما قال " مين عارف هي كانت ممكن تأخد ايه تاني ؟ "

التعمير