ناجح النجار يكتب عن ”دُعاء” ترامب: حفظ الله إسرائيل وإيران.. ماذا عن غزة؟


السياسة لا تعرف سوى لغة المصالح والمكاسب، فعلى الرغم من العلاقة القوية بين دولة الاحتلال وأمريكا، إلا أن وقف الحرب فجأة يكشف عن حجم علاقة الأخيرة وطهران التي تشوبها السرية والتعتيم، فإنهاء الحرب التي قامت بين تل أبيب وطهران بهذا الشكل وإعلان ترامب بالدعاء لإسرائيل وإيران بالقول: "بارك الله في إسرائيل.. بارك الله في إيران"، تؤكد أنها حرباً بدأت بإشارة من أمريكا وانتهت أيضاً كذلك بإشارة من أمريكا، إذ كان الهدف فقط هو تقليم أظافر إيران، لأن لها "خطوط حمراء" يجب ألا تتجاوزها، لكنها ستظل حليفاً لأمريكا في المنطقة بهدف إضعاف الدول العربية.
أيضاً. إن إنهاء الحرب بهذه الطريقة يعتبر على عكس بعض الأقاويل التي تزعم أن ترامب لا يستطيع وقف الحرب في غزة لأن نتنياهو متمرد ولا يسمع إلى ترامب، فأقول له إن كان الأمر كذلك ولا يستطيع حقاً، فعليه فقط وقف تصدير السلاح إلى دولة الاحتلال المارقة التي تقتل الفلسطينيين بسلاح أمريكي وغربي ولا نسمع من الغرب، سوى الشجب والإدانة التي حتى لم نعد نسمع عنها الآن، والفيتو الأمريكي الذي يمثل غطاءً في مجلس الأمن على جرائم نتنياهو وقادة الاحتلال بحق أهل غزة.
كما أن وقف الحرب بين دولة الاحتلال وإيران التي كنا نتمنى لها نصراً ساحقاً، بإعلان من ترامب، هو بكل تأكيد نتيجة اتصالات تمت بسرية، لتُظهر أن إيران التي كانت تنفي وكأنها ضد أي مفاوضات مع أمريكا وإسرائيل، خصوصاً وأنه كان بإمكان وزارة الدفاع الأمريكية "البنتاجون" تكبيد إيران خسائر بشرية واقتصادية باهظة، ولكن يظل الهدف أو الرغبة الأمريكية في الحفاظ على الدور الإيراني اللاعب في المنطقة الذي يقوم بزعزعة استقرار الدول العربية ونشر الفكر الصفوي.
نعم. إسرائيل لم تحقق نجاحات كاملة حتى لو كانت تسببت في أضرار كبيرة في البُنى التحتية الإيرانية وسيطرت على السماوات المفتوحة في إيران، لكن يكفي أن الصواريخ الباليستية لإيران استطاعت أن تكشف قدرات إسرائيل الدفاعية المبالغ فيها وترنح الجيش الذي لا يقهر، حيث أسقطت أسطورة "القبة الحديدية" و"مقلاع داوود" اللتان كانت تتغني بهما دولة الاحتلال دائماً.
لكن للأسف بعض الأصوات على منصات السوشيال ميديا، تدّعي أن إيران تقصف إسرائيل دفاعاً عن غزة، وهو إما إنه شخص مغيب تماماً عن الواقع الذي نعيشه أو يتحدث من خلال التعاطف مع إيران وإن كنا جميعاً نقف معها وندعمها ضد الكيان الصهيوني، والدليل أن ما شاهدناه خلال الـ 12 يوماً من الحرب أن إيران ردت فقط على شنّ إسرائيل حرباً عليها وقتلها قادة الصفوف الأولى وليس لأجل غزة.
أي لا علاقة لفلسطين ولا غزة البتّة، ولا أي دولة أخرى بالحرب الدائرة بين الطرفين اللذين يريدان السيطرة على المنطقة التي هي نحن، لذا فعلى البعض ألا ينتقل من تزوير التاريخ إلى تزوير الحاضر الذي نعيشه، قف مع من تريد لكن لا تزور ولا تدلس على العوام، دولة الاحتلال وإيران قوتان تتصارعان مع بعضها البعض وكلتاهما لها مشروعها من أجل السيطرة والهيمنة على الشرق الأوسط.
إسرائيل شنت حرباً على إيران بضوء أخضر من ترامب حتى لا تقترب أو لتأجيل صنع قنبلة نووية ولتقليم أظافرها وليس القضاء عليها، وفي المقابل طهران تدافع عن نفسها، هذا كل ما في الأمر فلا ينبغي أن نلبس لهذه الحرب أثواباً ليست لها.
الخلاصة.. أنه لاسبيل سوى فكرة مصر التي تقدم بها الرئيس عبد الفتاح السيسى، منذ تسعة أعوام تقريباً لـ "إنشاء قوة عربية مشتركة"، تلك التي كان هدفها الأساسي حماية الأمن القومي العربي، وأن يكون للعرب قوة عسكرية قادرة على الحماية والردع ضد أي تهديد، ولكي تتخلص الأمة من شراء الحماية المنقوصة بمليارات الدولارات، لكن للأسف دولا محورية قررت ضرب الفكرة فى مقتل، واقترحت أفكار مطاطة تفتقد لآليات التنفيذ والقدرة، مثل التحالف الإسلامى العسكرى لمحاربة الإرهاب.
ومن الممكن أن تدخل إيران ضمن هذا التحالف العربي، إن كان حقاً عدوها المطلق هو إسرائيل، وليس العالم العربي، لكن بشروط واتفاقيات تضمن: وقف التدخل في شئون الدول العربية وتصدير الثورة الخمينية، وقف دعم مليشيا الحوثي الذي مزّق اليمن، وحزب الله في لبنان، والحشد الشعبي في العراق، والكفّ عن التدخل في شئون سوريا بعد سقوط الأسد.
حفظ الله مصر.. حفظ الله الأمة العربية والإسلامية
ناجح النجار- كاتب صحفي مختص في الشئون الدولية